كلمة

إلى إخواننا من طلبة علم الطب ( محمد السيد - حسام قطب - أحمد عرجاوي(صاحب الامتياز) - عمر مكرم - محمد سلامة - محمود جبر - علاء زين (الشهير بعلّوش)- ومحمد عبداللاه "عبدالله"- حسن جاب الله... وغيره من إخواننا الأحباب )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله مصلياً على ، محمدٍ وآله ومن تلا

وبعد

انتقل زمام علم الطب إلى أيدي الغرب ، ولا أقول سحب الغرب البساط من تحت المسلمين في هذا المجال ، فلم يعد من المسلمين علماء ومخترعون ومبتكرون ومنظرون ومكتشفون في هذا العلم يوازون علماء الغرب علما وبحثا وتقدما ، (ولا يعني ذلك انعدام العلماء المسلمين ولكنهم قليل والغلبة للغرب لا شك ، بل إن العلماء منا متسوِّلون على موائد الغرب).

، ولكن أقول : كما قال جمال الدين الأفغاني : " إن المسلمين ماتت عزائمهم ومات فيهم كل شئ إلا شهواتهم ".

وأقول كما قالت العرب : " لقد استأسد الحمل ، لما استنوق الجمل " - استنوق الجمل : أي صار ناقة كناية عن ضعفه وذلّه .

نعم لقد صاروا أسودا في هذه المجالات ، وفي تلكمُ العلوم ، ولا أعيب عليهم ذلك ، وهل يُعاب على المجتهد؟

ولا أحسدهم على ذلك ، بتمني زوال ذلك منهم ، فهم قبل كل شئ يخدمون الإنسانية بما يقدمونه وبما يصلون إليه.

ولكنّي أتوجه باللوم إلينا نحن - المسلمين - خاصة طلبة العلم والعلماء المتخصصيين منا في علم الطب ...

أتوجه باللوم لأننا مسلمون ...

ولأن الإسلام يعلمنا أن ( اليد العليا خير من اليد السفلى) نعم ؛ فالعقول التي تبحث وتفكر وتبتكر ، خير من العقول التي تستورد البحث والأفكار والابتكار.

والأيدي التي تعمل على إنتاج الأدوات الطبية ، والأجهزة القياسية ، والوسائل المعملية ... إلخ ، خير من التي لا هم لها إلا انتظار ما ينتجه غيرهم كي يستهلكوه.

أتوجه باللوم للمسلمين ؛ لأنا منذ عهد قريب كنّا سادة هذا العلم وغيره من العلوم ، واسألوا ابن سينا وابن النفيس والزهراوي... وغيرهم. أفلا نكون خير أحفاد لخير أجداد .

ملكنا هذه الدنيا قرونا ** وأخضعها جدودٌ قادرونا

وسطّرنا صحائف من ضياءٍ ** فما نسيَ الزمان ولا نسينا

ألوم المسلمين .. لأن الله جعلنا خير أمة أخرجت للناس ، فوجب أن نكون على قدر هذه الخيرية.

ألوم المسلمين .. لأن نتاجهم يختلف عن نتاج غيرهم ، فنتاج الغرب وإن كان نتاجا مشكورا ، إلا أنه وليد عقول فصلت الجسد عن الروح ، والدين عن الدنيا ، أما المسلمون فإنهم يفكرون بعقولهم مستهدين بنور الوحي ، ويعمرون الأرض ، متصلين بالسماء ، وينتجون المادة ، لينفعوا بها الروح، وطبيعي أن من كان هذا وصفه كان إنتاجه في إطار النفع لا الضر ، المصلحة العامة لا المصلحة الخاصة ، والحرص على إرضاء الله ، لا الجري وراء المنافع والأموال ، أو الشهرة والسمعة ، فالعالم المسلم لن يفكر في نشر داء أو وباء ، لأنه ابتكر له دواء ، والعالم المسلم في صنعته وفي فكرته بركة ربانية( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات) ونور إلهي بنيته الحسنة ، وإخلاصه لله ، وحرصه على طاعته ، فالله يرزقه التوفيق فيما يفعل ، ويعصمه من كثير من التخبط الذي يقع فيه أهل العلم المادي المنعزل عن الروح.

ألوم المسلمين و أتحسر على حالنا ، حين أعلم أن الغرب منذ بداية نهضتهم وهم يستهدون بحضارتنا وكتبنا وأفكار علمائنا ، ويزيلون التراب عن التراث الطبي الإسلامي الذي أنتجه العلماء المسلمون ليستفيدوا منه ويطوروا فيه ويدرسونه لطلبتهم ، وقد ينسبونه لأنفسهم زورا ، والأدهى أننا قد نأخذه عنهم منبهرين بهم ، ونحن لا نعلم أن هذا ميراث أجدادنا ، وأنها بضاعتنا رُدت إلينا .

أتحسر حين لا ننتبه نحن إلى ما لدينا من مراجع طبية ، وابتكارات إسلامية ، ونظريات إسلامية كذلك ، تحتاج إلى من يفتش عنها ويخرجها للوجود ، وتسمع أن الألمان يجرون الأبحاث حول الحجامة ويثبتون الكثير من الفوائد لها ، ثم نستورد منهم جهازا لعمل الحجامة ، ونأخذ الدورات الطبية على أيديهم ، وتسمع أن الغرب يجرون اختبارات حول السواك وفوائده ، وينتجون منه مواد واقية للأسنان ، وأنهم وقعوا على نظرية طبية خطيرة في كتاب المسلمين ( القرآن ) ، وأنهم يبحثون في وسائل الوقاية الطبية التي وضعها الإسلام... ثم تجد المسلمين غافلين عن هذا أو على الأقل ينتظرون الغرب حتى يمدح ما عندهم حتى يثقوا فيه ويقروه نظاما وعلاجا، فيا ليتنا ملكنا زمام المبادرة في بحث ما بين أيدينا ، وتدبر ديننا ووسائله في حفظ الصحة والوقاية من الأمراض ، ووضعه للقواعد الكلية الطبية كما في قوله تعالى : (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) قال أحدهم معلقا : لقد وُضع نصف الطب في هذه الآية. وقد دعانا الله إلى التدبر في القرآن ، لا لنستخرج منه العلوم الشرعية وفقط ، بل لنستخرج منه العلوم السياسية والاقتصادية والطبية والاجتماعية والقانونية ... (أفلا يتدبرون القرآن) ، ( إن في ذلك لآيات لأولي الألباب ) ...

أتوجه باللوم لطلبة علم الطب خصوصا ، لأنهم لا يضعون في أذهانهم وهم يدرسون الطب فكرة أن يكونوا هم رواد هذا العلم وهم الملقون لا المتلقين، وهم المصدرين لا المستوردين ، وهم الأعزاء المعزون لدينهم بنهوضهم في مجالهم ، وتحويل الدفة لأيدي المسلمين كي يوجهوا هم مسار الدنيا في هذا المجال ، وألومهم لأنهم بذلك يقصرون في حق دينهم ، بعدم سعيهم لإعزازه بما تخصصوا فيه ، وعدم بحثهم في قرآنهم وسنة نبيهم وكتب أجدادهم الأطباء ليستخرجوا الدرر الطبية والقواعد والنظريات والنتائج الموجودة فيما بين أيديهم.

وقد يقول قائل إن مسلمي اليوم من طالبي الطب أو علمائه ، إذا أمسكوا بمرجع لابن سينا مثلا فإنهم لن يفهموا لغته فضلا عن أن يستفيدوا منه ويبنوا عليه، وإذا قرؤوا القرآن و الأحاديث لا يكادون يفقهونهما من ناحية اللغة على الأقل ، لبعدهم عن لغة دينهم اللغة العربية الفصحى ، واهتمامهم بلغة غيرهم (كالإنجليزية ) حتى يفهموا عنهم علومهم ،فتصعب عليهم المعاني والألفاظ والصور القرآنية والنبوية لبعدهم عن هذا الجو البياني ، وهذه الملكة في فهم اللغة ، التي تتكون عن التحدث بها والمطالعة فيها والتعرف على قواعدها وأساليب أهلها وممارسة ذلك.

ولكننا نقول إذا كان المستعمرون منذ زمن حاكوا الخطط ، ودبروا لإبعاد المسلمين عن مفتاح فهم مصادر دينهم (القرآن والسنة) وعن مفتاح الاطلاع على تراثهم وكتب أجدادهم ، هذا المفتاح المتمثل في فهم اللغة العربية ، فحرصوا على نشر العامية ، وتعليم اللغات الأجنبية حتى لأطفال المسلمين في مراحلهم الابتدائية ،بل وقبل المرحلة الابتدائية ، ومعلوم أن لغة الطفل تتشكل في هذه المرحلة ، فيخرج الولد غريبا على لغته ، وغريبةٌ عليه لغته ، إذا كانوا هم فعلوا ذلك ، فعلينا نحن أن نحارب ذلك ، وأن نسعى لتقويمه ، وإذا كنا تعلمنا لغة غيرنا وعكفنا على دراستها السنين ، وأتقنها كثير منا ، فليس صعبا أن نعود للغتنا ولغة ديننا ولغة تراثنا ولغة سلفنا وأجددانا ، لنفهم ما قالوا ونواصل مسيرتهم ونستفيد أيضا من غيرنا ، غير أن العار أن تبقى في خانة المستفيد ، وتعجز عن أن تكون أنت مفيد.

وآلمني وآلم كلَّ حرٍ ** سؤالُ الدهر أين المسلمونا

تُـرى هل يرجع الماضي فإني ** أذوب لذلك الماضي حنينا

إخواني لست أخص طلبة الطب بالحديث (وإن كان أكثر أفراد أسرتنا من طلبة الطب)، ولكن الأمر ينطبق على دارس القانون وابن كلية الحقوق ، وأين هو من مقارنة القواعد القانونية الحاكمة في بلاد المسلمين وبين ما وضعه الله من قوانين وشرائع، وأين هو من أسلمة القوانين ، وأين هو من صياغة القواعد الفقهية والأحكام القرآنية بصياغة عصرية قانونية ، يفهمها أهل العصر ويستسيغها أهل القانون ، وأين هو من الدفاع عن القرآن وطلب تطبيق شريعته ، وتجميع القانونيين حوله وغير القنونيين ، للعودة إلى القرآن دستورا والله مشرعا وحاكما ( إن الحكم إلا لله) ودعوة الناس لفهم ذلك ، ودعوة النخب واستخدام الإعلام في ذلك ، للدعوة للفكرة وإقناع الناس بها ، واتخاذ الإجراءات القانونية لتطبيق ذلك (فإنه لا ينفع تكلمٌ بحق لا نفاذ له ) كما قال عمر.

وينطبق الأمر على طالب التجارة وأين هو من دراسة الاقتصاد في القرآن ، كما في الخطة اليوسوفية الاقتصادية الرائعة ، وكما في القواعد الاقتصادية المنثورة في آيات القرآن ، كما في مبدأ الاعتدال في الإنفاق ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)

ومبدأ تحريم الربا ( يمحق الله الربا) وما يترتب على الربا من أخطار ، وكيف عالج القرآن ظاهرة الفقر ، وقيمة نظام الزكاة الإسلامي في إنعاش الاقتصاد ، وتحقيق الرخاء ، واستيعاب الفقراء ، وفقه البيوع ، ومقارنة النظام الإسلامي بالأنظمة الإقتصادية الأخرى...إلى آخر ما هنالك من مباحث يستطيع طالب التجارة أن يتعامل معها بما لديه من علم وبما سيكون له من تخصص ، ثم بما يملكه من كتاب سماوي حوى أسس المعاملات التجارية والأنظمة الإقتصادية .

وكذلك طالب الهندسة ، وما يجب عليه من البحث في جهود أجداده من علماء الرياضيات ، وما وصلوا إليه من نتائج ، وما وضعوه من نظريات ، ويستفيد من تراثه ويرفعه بين الناس يفتخر به وينسب الفضل لأهله ويواصل ما وضعه أجداده ويختبر نظرياتهم ونصيبها من الصواب والخطأ ، وما يمكن تطبيقه منها وكيف نستفيد منها في عصرنا ، وكيف نخرجها على هيئة تطبيقات مفيدة وخادمة لأغراض الحياة ، ولينظر إلى جده الخوارزمي وكيف ابتكر الصفر في الأعداد ، ثم كيف استفاد منه الغربيون في لغة الحاسب الآلي (لغة 0 و1 ) ، ثم يعيرنا أحد الغربيين حين قال له العالم المسلم د/عمر عبدالكافي - حفظه الله- "لقد اخترع أجدادنا الصفر " فقال له الغربي :"ووقفتم أنتم فيه ".

ولينظر إلى أجداده من أبناء الحضارة الإسلامية وكيف كان لهم من نظام معماري مميز ، تميزوا به عن حضارات العالم ، وأشاد به معماريو الغرب .

وليبحث في القرآن والسنة ، ليجد القوانين الرياضية ، وليطالع نظام المواريث المبدع ، الذي بنى عليه علماء المسلمين الكثير من القواعد الرياضية ، واستخرجوا منه ضوابط ومفاتيح للقوانين الرياضية .

وليسمع إلى آيات ربه ، يقول له : ( أفلا ينظرون إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) فيستفيد من الهندسة الكونية ، والنظام الكوني المبدع...إلخ مما يخصه ويتخصصه.

وطالب العلوم وطالب علم الاجتماع ودارس علم النفس ودارس الصيدلة وطالب الألسن وطالب الآداب وكلٌ في تخصصهوعلمه... كلهم مقصودون بما قلت آنفا ، وكلهم واجدون ما ينفعهم في تخصصهم ان اغترفوا من وحي ربهم ، فنفعوا دينهم بما تخصصوا فيه ودرسوه ،وطوّعوا ما درسوه لخدمة الدين ، واستنفعوا بحبهم لدينهم في حبهم لدراستهم ،وجعلوا حبهم لدينهم دافعا لبحثهم عن المواطن التي بها يخدمون الدين فيما يدرسون، ونفعوا أنفسهم برضا الله عنهم ، ووقفوا على ثغورٍ ، تركها المسلمون ، أو أساؤوا الوقوف عليها - اللهم اغفر تقصيرنا- .

إننا والحمد لله نرى صحوة إسلامية شبابية مبهرة ومفرحة ، يشهد عليها العلماء ، ويؤكدها المراقبون ، ونلمسها نحن شباب الإسلام بأيدينا ونراها بأعيننا نرى عودة لقرآن ربنا ولسنة نبينا ، ونرى إقبالا على الدين ، ونرى تخطيطا للدعوة ، وعملا في كل المجالات لدعوة الناس للهدى.

مما يبعث الأمل في قلوب المسلمين ، ويعيد الخواطر إلى العقول أن هناك عودة ، ولقد تعاهدنا نحن أفراد أسرة الحياة ألا نرضى بموقع المتفرج من هذه الصحوة ، بل سنشارك فيها ، بأيدينا وأموالنا وأوقاتنا وأفكارنا واتحادنا وتعاوننا ودعائنا وتخصصاتنا (وتخصصاتنا)

وسنسعى لترشيدها ، ومنع ما يعكر صفوها من خلافات ومعارك جانبية (للأسف تقع من بعض من نحسبهم محلصين عاملين للنهضة مشاركين في الصحوة) ليس هذا وقتها ولا ذاك أوانها ، أو من خطط تدبر لها بليلٍ ممن ليس في صالحهم أن يروا المسلمين ينهضون من كبوتهم.

سنُطبُّ المريضَ بدوائنا ، وسنُأمِّنُ الخائفَ في رحابِنا ، وسندعوا العالمَ لديننا ، وسنتلوا على الدنيا كتابَ جهادِنا ،صُمّت أذنُ الدنيا إن لم تسمع لنا.