وقفات وغفلات(الحلقة الاولي)(زيارة مفاجئة)

(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ وَقَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)

*رواه مسلم في باب التوبة -تحت عنوان (بَاب فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا).

ـــــــ

قَوْله : ( نَافَقَ حَنْظَلَة )

مَعْنَاهُ : أَنَّهُ خَافَ أَنَّهُ مُنَافِق ، حَيْثُ كَانَ يَحْصُل لَهُ الْخَوْف فِي مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَظْهَر عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ الْمُرَاقَبَة وَالْفِكْر ، وَالْإِقْبَال عَلَى الْآخِرَة ، فَإِذَا خَرَجَ اِشْتَغَلَ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَاد وَمَعَاش الدُّنْيَا ، وَأَصْل النِّفَاق إِظْهَار مَا يَكْتُم خِلَافه مِنْ الشَّرّ ، فَخَافَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ نِفَاقًا ، فَأَعْلَمَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ الدَّوَام عَلَى ذَلِكَ ،

*شرح النووي على مسلم.

وما أردت أن أشير إليه بذكر الحديث النبوي السابق ، وما اقتطعته من شرح النووي هو:

1- قول النبي (ص) : إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ،ساعةً وساعةً،سَاعَةً وَسَاعَةً .

2- العنوان الذي وضعه الإمام مسلم لهذا الحديث:(وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا).

3- وجملة من شرح النووي وهي:وَأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ الدَّوَام عَلَى ذَلِكَ .

4- أن الإسلام دين الوسطية ،لم يكلف المسلم الانقطاع للذكر ومواقف ترقيق القلب ، كموقف زيارة القبور ، فيصبح المسلم راهبا، كما نهاه أن تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومالكةَ قلبه.

ولكن الموازنة هي المطلوبة (والسماء رفعها ووضع الميزان) ، فيكون المسلم موصوفا بما وصف به الصحابة (رهبان بالليل فرسان بالنهار)

والخلاصة

أن الإسلام أراد مسلما شاملا ،يغذي روحه بالذكر والتعبد والتواجد في مثل الأماكن التي ترقق قلبه وتزيد علمه فتزيد خشيته ، ثم ينطلق بهذا الغذاء الروحي والعقلي في الدنيا معمرا للأرض (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض)، داعيا للخلق ، مكتشفا ومفكرا ومخالطا للناس صابرا على أذاهم ،ومألوفا للناس . يقول النبي (ص) المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير(وفي رواية :أعظم أجرا) من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) مسند أحمد. وقال (ص) : « المؤمن مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (1) ، وخير الناس من نفع الناس »